الأحد، فبراير ٠٥، ٢٠٠٦

المقعد الشاغر

(اللهم أدم على المقعد المجاور شغوره و جنبه المسنين و الأرامل و كل ثرثار يريد إزجاء الوقت بإصابتي بصداع ٍ مزمن.. اللهم جنب المقعد المجاور كل هذا أو املأه بما أريد .. آمين)
في انتظار دائم لها كي تملأ المقعد المقابل ـ إن كنت في المقهى ـ أو المقعد المجاور ـ إن كنت في القطار ـ و من هنا أتت ضرورة المقعد الفارغ، لا بد دائما ً من مقعد شاغر كي تكون هناك فرصة للمعجزة لتحدث باطمئنان و بلا تسرع.

أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تجد نفسك المتحكم الوحيد في المقعدين .. واحد إلى جوار النافذة و الآخر إلى جوار الممر .. تختار لنفسك الذي هو إلى جوار الممر لتبدأ في ممارسة لعبة (سأمنح مقعدي لمن يستحقه و أنتقل للمجاور للنافذة) .. يكون السيناريو أن تراقب باب العربة .. تكفيك نظرة مشجعة إلى الداخل و تتململ في مقعدك كأنك تستعد للانتقال لمقعد النافذة تمهيدا ً لمنح القادم مقعد الممر.
-----------------
" ستبتسم برقة و تضع حقيبتها الصغيرة على مقعد الممر كي تتمكن من خلع سترتها الشتوية الثقيلة ثم تعلق السترة و تجلس واضعة الحقيبة على رجليها بين ذراعيها .. لا تحاول أن تبدأ ودا ً مفاجئا ً الآن .. اتركها حتى تسترخي .. حتى تريح حقيبتها على الأرض و تطلب قهوة و تخرج كتابا ً أو جريدة ً أو تبدأ التحديق خارج نافذتك التي ستمنحها إياها ً بأريحية مرجعا ً ظهرك إلى الخلف أكثر و متظاهراً بالاسترخاء"
-----------------
أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يتحرك القطار من محطة سيدي جابر و مقعدك الآخر مازال شاغرا ً .. و أنت تعلم أن قطارك لن يتوقف مجددا ً إلا في رمسيس .. أو أن يسألك كهلٌ في اللحظة الأخيرة عن مقعدك المجاور .. الأسوأ جدا ً هو أن يحكي لك الكهل لماذا ترك عمله بشركة المقاولات لأنه كان يجيد عمله و لا يقبل الرشوة و لأن زوجته أصرت على حتمية تركه لهذا العمل لعدم جدواه المادية. من حقك أن تسقط في نوم ٍ عميق عندها.
-----------------
" تستطيع الآن ان تختلس لوجهها النظر .. موقعك الاستراتيجي يتيح لك هذا .. لا تندهش إن شعرت أن وجهها مألوفا ،ً مثل تلك الأشياء تحدث. أشعرُ أنا أن وجهها مألوفا ً جدا ً. صار هذا الشعور مكررا ً و سخيفا ً كقهوة القطار الباردة .. أسقط في شرك محاولة البداية في الكلام و سؤالها صراحة عن المكان الذي قابلتها فيه من قبل فقط كي تنظر لي و في عينيها جملة: يادي الاسطوانة العتيقة. لكنّي أقسم أن هذا ما أشعر به .. و أدرك تماما ً أنه شعور زائف"
-----------------
أسوأ ما يمكن أن يحدث أن تجد نفسك عرضة للخيالات التي رسبتها عندك رغبتك الدائمة في حدوث شيء غير عادي .. الرغبة الدائمة في التغيير و تقديسك للمفاجأة الباعثة على النشوة .. كم سيكون جميل ٌ لو أن الجالس إلى جواري فتاة .. لا لشيء .. فقط لأنهن يشعن دفئا ً في الشتاء و يشعن برودة منعشة في الصيف السكندري شديد الرطوبة شديد الحرارة. اتمنى وجودكِ إلى جواري فقط لأنني أحب شعوري أن هناك مفاجأة محتملة .. هذا لا يشعرني بملل الطريق إلى القاهرة .. أياً تكونين أينما تكونين .. تعالي الآن و اختفي بعدها للأبد.
----------------
" صار شعورك أنك تعرفها جيدا ً هاجسٌ ملحّ .. و إصرارها على متابعة الطريق من نافذتك لا يضعف .. لو أنها فقط أدارت رأسها للحظة كي تلتقط أنفاسك و تعيد ترتيب أفكارك .. لو أنك تستطيع التركيز في جريدتك بالرغم من وجهها المجاور المتوجه ناحيتك .. هذا حلّ.
- ممكن تيجي جنب الشباك لو تحبي.
تقولها أنت صادقا ً لأنك تعبت من هذه اللعبة الغير مقصودة و المحطمة للأعصاب المتحفزة.
- لا أبدا ً .. خليك مرتاح.
و تعودان للصمت .. و كان هذا هو كل ما تريد أنت .. تستطيع الآن أن تخلق الحوار المنتظر في عقلك بعفوية شديدة. تختار أغرب بداية لحوار، و تبدأ خيالاتك"
-----------------
أسوأ ما يمكن أن يحدث أن ينام الرجل المجاور ويغطّ كقطار ٍ متجه إلى رمسيس .. و الأسوأ .. أن تسقط رأسه لترتاح على كتفك الأيمن .. من حقك الآن أن تنخرط في البكاء و تلعن و تسبّ كل أسباب ذهابك للقاهرة.
-----------------
" - تحب أحكيلك حدوتة؟
تنظر لها مذهولا ً .. هذه أغرب بداية لحوار بين طرفين لم يتعارفا بعد.
- يا ريت.
لأنك لم تجد ما تقول .. و لأنك تتمادى في ادعاء الـ( ليس في الأمر مفاجأة) فقط كي لا يفقد الموقف غرابته.
- صلي عـ النبي.
و تبدأ هي في الحديث عن الولد الشقي الذي قابل جنّية في الغابة و أحبها و للمفاجأة تكتشف أنك مشدود للقصة بجنون .. و عند اللحظة الحاسمة .. اللحظة التي بدأت الجنية في الكلام لتخبر الولد الشقي بالحقيقة المطلقة .. يدخل الكمساري ليعلن أنه لا مزيد و أن محطة مترو رمسيس تنتظر ضياعك فيها .. تلقي عليها انت نظرة أخيرة لتجدها رحلت .. و تحزن أنت لأنك لن تعرف أبدا ً ماذا قالت الجنية للولد الشقي."

6 Comments:

Anonymous غير معرف said...

فكرة هايلة لفيلم روائى قصير
بس مش ناقص غير سيناريو محبوك تمام
كتابة ملهمة جدا

١١:٥٣ م  
Blogger mindonna said...

في المواقف الصغيرة ممكن تلاقي فيها ألف حاجة مميزةو جميلة
أهم حاجة يكون عندك إستعداد للتقبل :)

١:٢٩ م  
Blogger Solara said...

أفضل أن أنحرجَ مرة، ولا أقضي بقية الطريق على حصيرةٍ من اللهب. لو حدث معي مثل هذا الموقف، وكان خاطري بمثل هذا الإلحاح، فلن أتردد في الموازنة بين خيارين أحلاهما صعبُ المنال، وأمرُّهما صعب الاحتمال

.هذه الكتابة قراءةٌ جميلة لخاطرٍ مشغولٍ بالترقب

٥:٠٤ م  
Blogger Dina El Hawary (dido's) said...

هذا رائع ... أكثر من رائع

٥:٤٧ م  
Blogger karakib said...

kalam gamil jjjedan :D

١١:٤٢ م  
Blogger leM0nK said...

ماشاء الله

موهبة لا استطيع الا ان اقف مصفقاً امامها

مر زمن طويل منذ ان شدتنى مقاله كهذه

اتمنى ان تحظى تلك الكلمات بنصيبها من الشهرة ، او ان يحظى الناس بمتعة قرائتها ، فهى والله متعة

ادامك الله لحسك الفنى

٢:٢٥ م  

إرسال تعليق

<< home