السبت، يناير ٢١، ٢٠٠٦

الزمان : لحظة دخول

المكان : عيادة طبيب نصف مشهور
الحالة الراهنة : صداع شديد بعد يومٍ شاق مرَّ بلا انفعالات
الزمان : لحظة دخول
-------------------
أفك رابطة العنق قليلاً ، أخرج منديلاً ورقياً ، أنتقي من الأفعال أبسطها لكي أساعد نفسي علي قتل الملل ، أمرر عيني بلا مبالاة علي شهادات التقدير المتراكمة علي الحوائط قديمة الطلاء ، أتململ في جلستي محاولا الوصول إلي درجة معينة من الراحة التي لا أجدها علي المقعد المتهالك ، ضوءاً أصفر بغيضاً يلف المكان مثيراً ما تبقي من أعصابي ، أريد سيجارة وكوبا من الشاي ليس أكثر ، يجلس في مواجهتي مساعد الطبيب بوجهه المتصلب العجوز ، كل دقيتين ينظر لي ويشير لي بإيماءةٍ من رأسه بمعني أنه سوف يدخلني حين يحين الوقت ، أنتظر الدخول بفارغ الصبر ، أمصمص شفتي ، أعيد ترتيب الحقيبة ، كل شيءٍ هاديءٍ تماماً بدرجة تجعلني عصيباً جداً ، ثم أخيراً وإذ فجأةً سمعت الصوت المعدني الدال علي انفتاح الباب ، تبعه صوت كعبٍ حريميّ الإيقاع بلكنته المميزة وحضوره الواثق ، شرقية العطر وأعراض انسحاب الملل البطيء من دمي ، لماذا أحسست بعفوية الخطوة كأنها تأتي من فوهة بركان إلي آخر دكانٍ مفتوح في روحي، صار الآن للصمت موسيقاه الخاصة المتناغمة ، ببطءٍ شديدٍ أملت عيني علي الكعب الرزين ، ببطءٍ شديد تحسسته بنظرتي ، آخر حرف البنطلون الأسود المنسدل برقة علي الحذاء البيج الصغير ، تدور لتغلق الباب خلف انسيابها الأنيق ، فأرفع عيني الي ربلتي ساقيها ، ثم الانحناءة الخفيفة التي تعلو ربلتيها والتي تقابلها ركبتيها من الأمام ، هل يستطيع الحضور الأنثوي إعادة تشكيل الأشياء بهذه البساطة ؟ ، فجأة داهمني احترامٌ مبالغ فيه للطبيب ولعيادته ذات المقاعد الوثيرة واحترامٌ لوجه المساعد ذو الملامح الطيبة الباعثة علي الراحة ، داهمتني طمأنينة القادم وبشائره ، حين دارت مرةً أخري ناثرةً حضورها علي العالم ، دارت بخصرها المضغوط تحت أنسجة البنطلون لينتج تكويناً مثيراً ينزلق داخلاً إلي الكهف الأمامي العميق ، مرتفعاً من الخلف للكتلتين المتماسكتين ، أذهلني التناسق ودقة النسب بين صغر الخصر ودملجة الكتل المتماسكة الطرية وأعماق الكهف الدافئة ، إلي أعلي بعينيّ حيث الكوفية الحمراء التي حملت عيناي لتضع واحدةً منهما علي طرف والأخري علي الطرف اللآخر صانعةً تيهاً صغيراً لنظراتي المتسلقة
أصعد رويداً حيث تلتف الكوفية علي الرقبة لتهبط علي الناحية الأخري ، يحمل الطرفين الشريدين هضبتان أماميتان يكونان بينهما وادياً ناعماً يصل ما بين الرقبة المرمية وبين سدرة المنتهي ، ما كل هذه المقدرة الخرافية علي تحويل الحوائط إلي كائنات فائقة الجمال ، وتحويل الدقائق الي زمنٍ غير محدود والمرايا إلي شموسٍ صغيرة ، مشدوهاً ، مترقباً شيئاً ما ، أخشي لوهلة من ولوجي إلي ساحة الوجه ، متوقعاً ملائكة وأحواضاً من الورد ، وطيوراً محلقةً ، إذن فلتتوقف كل عقارب الساعات الآن ، وليزداد انغماسي في اللحظة ، ولتخفت كل الأصوات ماعدا صوت أنفاسها التي أسلمتني بروعة إلي ثغرها المتباعد الشفتين المفترّ عن لؤلؤ أسنانها المدلاة عليها أغصان "الفراولة" الطازجة المتهيئة للقطف ، شهية كأنها ومضة حمراء وسط سلطان البشرة البيضاء ، وجنتيها ترتفعان قليلا عن بقية السهل ، لتشكل جدولين يمتصان الضوء مكونان شلالاً من الظل بجانب الأنف ، تجعيدتان جوار العين تحاورا بإرهاقٍ مع سوادٍ خفيفٍ تحت الجفن السفلي ، كان يومها شاقاً بالتأكيد ، رموشها ستخترق السماء بشموخها ، بنصف إغماضة تبتسم ، باتساعٍ بسيطٍ تندهش ، بشرودٍ تُحرّك بؤبؤ العين في كل الجوانب ، أرتني في جزءٍ من اللحظة ألف فتاةٍ مختلفة بتحكمها التلقائي في ملامحها بخفة الفراشات ، التفاتة منها جعلتني مسمراً في انفلات الشعر كأنه يعلم تماماً أن وجهاً كهذا لن تنقصه هالة بهذه الأناقة كأنه يعلم أن وجه كهذا لا يستحق إلا شعرا بهذا السواد حتي يكمل تضداد الألوان ، شعرٌ ليس ناعماً جداً وليس خشناً جدا ، مشعث قليلاً علي حواف الوجه ، نازلاً باهمالٍ علي جانب وجهها لكنه يجعل من اللوحة النهائية كمالا غير محدود ، يتحول الهواء الآن إلي عطرٍ يهدهد الرئتين ، المكتب العجوز يصير بيانو تتراقص مفاتيحه لتمنح الحاضرين نغماً رائقاً ، خمرٌ يسيل علي أطراف الصدر لينقي شوائبه ، وخدر ، في هذه اللحظة فوجئت بمساعد الطبيب ينادي عليّ لأدخل علي الطبيب المنتظر ، فوجئت بالإيقاع المختلف الذي خلّفته رغم خروجها منذ فترة

الأربعاء، يناير ١١، ٢٠٠٦

المادي .. و المثالية

- حتعمل إيه لو جيتلك بكرة حالقة جناب شعري و صبغاه أخضر؟!

- .................... !!!!

- لأ بجد؟ حتعمل إيه؟

- ولا حاجة .. بعد ما أفوق من الخضة ححاول أطمن نفسي و أقول مش مهم ..!!

- بجد؟

- بصي .. طول ما كل حاجة فيكي في مكانها .. يبقى اصبغي شعرك أخضر براحتك .. بس لازم حكاية تحلقي كابوريا دي؟

- أنا كنت عاملة كدة قبل ما آجي مصر بفترة .. كان شكلي يجنن .. ماما عيطت أول ما شافتني عاملة كدة !

- انتي مجنونة .. صح؟

- طبعا ً .. مش عرفتك؟

- إحم .. و الله انتي مش أول واحدة تعرفني .. بس ولا واحدة حاولت تصبغ شعرها أخضر بسببي !!

- و بعدين إيه طول ما كل حاجة فيكي في مكانها دي؟ قصدك إيه بالظبت؟

- قصدي إن كان على اللعب في الشعر بس .. بسيطة .. في حاجات تانية لا يستحب اللعب فيها !

- أفهم من كدة إنك بتحبني عشان شكلي و جسمي ؟

- أولا ً أنا ما قلتش إني بحبك ! ثانيا ً طبعا ً الشكل و الجسم مهمين جدا ً .. آه بحترم عقلك .. و بتعجبني طريقة تفكيرك بغض النظر عن موضوع الشعر الأخضر ده .. بس حيبقي الفرق بينك و بين أي واحد صاحبي إيه لو جسمك خشن و عندك شعر في وشك ؟ ححتاجلك ليه؟ عشان نقعد نتكلم بس؟ طيب و لما نخلص كلام؟

- أول مرة آخد بالي إن الجنس واخد مساحة مهمة من تفكيرك !

- مساحة إيه ؟! هو المطلوب مني إني أزهد في الحياة تماما ً و أبقى فيلسوف و متكلم جيد طول الوقت و ما أفكرش فيكي غيرو أفتكر مناقشاتنا في الدين و بس عشان ما يبقاش الجنس واخد مساحة من تفكيري؟

- لأ بس يعني .. مستغرباك بس !! بس مش زعلانة ولا حاجة لا تفهمني غلط !

- لأ مهو ناقص تبقي زعلتي .. بقولك إيه .. انتي عجباني حتة واحدة كدة .. مش حعرف أقسمك كذا منطقة .. عشان تبقى فيه منطقة العقل و منطقة الأنوثة و منطقة الجسم و منطقة الجنس مثلا ً يعني .. بالنسبالي كل الحاجات دي بتصب على بعض .. منفدة على بعض .. سايحة على بعض و مطلعة البنت اللي قاعدة قدامي دلوقت !

- طيب قولي لما أسافر حتعمل إيه؟

- و أفكر ليه من دلوقت؟ أقولك ؟ مش حعمل حاجة .. حعمل مش واخد بالي ! أقولك؟ حزعل شهر بالكتير و بعدين أنسى و أكبر دماغي !

- إيه ده يعني مش بتحبني ؟!

- حد جاب سيرة الحب دلوقت؟ ما أنا لسة قايلك لأ؟ بقولك إيه .. يلا بينا !

- فين؟

- أي مكان مافيهوش بني آدمين.

- انت طلعت مادي جدا ً !!

- الله يخليكي .. مش طالب منك بس غير إنك تبقي مثالية بالظبت زي المرة اللي فاتت .. يللا.