عادةً يكون استقبال الصباحات العادية شيئاً مملاً ، مباغتاً ، تتمني أن تظل مستلقياً علي ظهرك هكذا لفتراتٍ أطول ، ولكن استقبالها للصباح عادةً يكون مختلفاً ، يكون بابتسامة ، تتمطي في دلالٍ يُغري النهار لمعاودة البزوغ حتي يراها مرةً أخري وهي تتمطي ، عيناها مليئتان بالكسل اللذيذ ، تدريجياً يعلو غناء أعضائها حتي يسمع الكون ، يعلو غناءها حتي تسكر الأسمالك في أعماق المحيطات منتشية ، تتمني الخلاص من شباكها لكنها لا تعود إلي مائها الهاديء ، تنهض في صخب ، تنهض كانها ولدت الآن ، لتردد مع الآلاف أغنيةً لجسد وأنشودةً لقلبٍ وحيد ، تنهض لتفتح جميع النوافذ ، فيدخل النور إلي عينيها ويلقي ظلاً جميلاً علي الأرض ، يعبر النور خلال مسام جلدها ليتعلم كيف يكون النور نوراً بحق
----------------
تخطو بخطواتٍ متكاسلةٍ إلي حيث تأخذ حماماً صباحياً ، ملابس النوم تنزلق من علي جسدها في عدم رضا ، تود لو تظل ملتصقةً به ، آخر قطعة ملابس تخرج منزلقةً من أعلي إلي أن تصل لحافة أصابع قدمها الصغيرة ، تود التشبث لكنها ترغمها علي الخروج المثير ، المرأة تحت قطرات الماء المنسابة عالمٌ آخر عالمٌ مثير يحتاج لسنواتٍ من إعادة الاكتشاف لتفقد جميع أسراره ، المرأة تحت الماء هي تعبيرٌ موجزٌ عن وحشية الرغبات وعبادة الشهوة ، المرأة المبتلة بقطراتٍ لؤلؤية كونٌ مستقل لا تملك أمامه إلا الخضوع لسلطان البدائية وتبجيل الغريزة الهمجية الأولي
----------------
إن سدّ الكون أذنيه فلن تهتم ، سيظل البيانو العالق بأصابعها يعزف ألحان الحياة ، حتي لو اصطبغت النغمات برنة الخوف ، فهل تخاف الملكات؟ ، هل يخاف اللؤلؤ المكنون بقلب المحارات؟ ، هلتخاف من علمت البيانو كيف يرتجل أنغام الصمود ، تفرّ دمعةٌ هاربةٌ من مقلةٍ خائفة ، فتسقط بدويٍّ ككقنبلةٍ انفجرت إلي شظايا ، الشظايا تتحول لملائكةٍ تحمل أقواس قزح وترتل ترنايماً كنائسية ثم تصمت بعد حين ، كيف تخاف من علمت السكون كيف يرقص رقصاتٍ هستيرية؟؟ ، ماذا ستقول عنها الأساطير فيما بعد؟ ، تركت جنوناً ودموعاً كثيرة ثم رحلت في غيابها الأبيض؟
----------------
العمل ظهراً ، وتوزيع الابتسامات علي الأصدقاء وزملاء العمل ، نوعٌ من توزيع النهارات الصغيرة علي قطعٍ ليلية في أشد الحاجة للإضاءة ، تستعين بخفتها علي مشاغل العالم فتخضعه لطرف أناملها كخادمٍ يستكين راضياً برضاها عنه وينسحب منحنياً أمام مليكته المتوجة بحكم الفراشات
----------------
حين عودتها من العمل تكتشف أنك ما زلت بعملك ، ترجوك في خاطرها أن تأتي الآن ، ترقص في حجرتها وحيدة ، أصابعها الدقيقة تعتلي حوائط الوحدة ، تود لو تخمش وجه الهواء بأظافرها وتدميه تاركةً آثار قدميها علي الأرض الطينية اللزجة بلزوجة الجسد المعرّي ، تستجيب لنداءاتٍ بعيدة كأنها صدي صوت آلهةٍ قديمة ، يكّون الهواؤ حولها غلافاً رقيقاً من الدقات المتتالية لطبولٍ غير مسموعة ، ترقص إلي أن تدور مع دوران الكرة الأرضية ، فتغوص في مركز الأرض ، كأنها تتغلب بالرقص علي مخاوفها وتبتلعها الجزيئات ، تتخيل حين تتمرغ علي صدرك الوحشيّ ، تتخيل حين تبتلع رائحتك ، حين تحبل برائحتك ، لتضمها كثيرا وتلفظها كثيرا ، تجلس منهكةً ثم تقوم لإعداد بعض الطعام الخفيف
---------------
تفاجأ بهاتفك ، تخبرها أن تأتي إليك لتقضيا وقتا بالخارج ، تسير جوارك ، تحتضن ذراعيك ، تتشبث بأصابعك ، تفلت ، تجري ، تلقي نكاتاً وتضحك ، تحجل أمامك ، تأتي من خلفك فتمسكها جيداً لأنك تشعر لو أنك تركتها الان ستنبت لها أجنحةً وتطير ، فجأة تتوقف ، تنظر لك وتخبرك كم هي خائفة من شيءٍ ما لا تدرك كنهه
--------------
تعود في المساء تراقب انهماكك في عملٍ ما تصنع قهوتك علي نار جسدها الملتهبة فقط لتراك مبتسماً ، تعرف متي ينقض صيادو العالم علي شبكتها ، فتتألم ، لكنها تسرع بالاختباء في صدرك ، تعرف أنك من سيشيد حولها الأسوار ضد كل من يريد غرزها في الرمل ، تعرف أنها قوية بما يكفي لأن تعلن للدنيا حريتها ، وأنها ضعيفة بما يكفي لأن تختبيء في صدرك ، لن تشكو إليك جموحها فقط تود لو تحكي لك قصتها بلسانها ، لا ما تحكيه عنها الأشياء وما ترويه الأساطير
--------------
ستجلس ليلاً لكي تكتب ، تحتمي بأشيائك ، تجلس علي مقعدك الوثير ، تحتسي من فنجان قهوتك ، ترتدي قميصك ، تضع عويناتك ، تدخن من علبة تبغك ، تكافئك بنظرةٍ ممتنة حين تأتي إليها بكأس النبيذ الذي يدفئها ، وحين تراك غاضباً مثلها ، وتهشم الأشياء بعصبيتك الزائدة مثلها ، فتعود معك إلي عصور الهمجية ، ترقص حول النار صارخةً كأنها لم تتعلم الكلمات ترجوك أن تلقيها لكلاب الطريق الضالة تنهش روحها ليتبقي لك جسداً تلوكه ، تفرح برفضك ، تتحول تدريجياً لتمثالٍ وسط الغرفة تدور حولها الأفلاك في السماوات ، تطفيء بأناملها ذؤابة الشمع لتبقي عينيها فقط مضيئة ، فتتراقص الظلال ، تشف من حولها الأشياؤ كبلورٍ فوق أرضٍ رخامية ، وتبرق الأهلة ، كيف تعملت أن تطير هكذا ثم تقع في المحارة؟ لتظل لؤلؤةً في تيجان الممالك
--------------
في الليل تغيب أجنحتها ، فتدرك أنه لا سبيل للخروج من دوامة الجزيئات ، ترنو إليها أصابعك حالمةً بالصعود إلي التلال المرمية ، تتبعثر قصتها علي الأوراق ، تتكلمان كثيراً لكنها في النهاية لا تحكي قصتها ، فقط تنظر في عينيها لتعرف أنها سيدة عالمك وأنها بحق أسطورتك الوحيدة