الثلاثاء، أكتوبر ٢٥، ٢٠٠٥

أورجازم

تأخذ نفساً عميقاًمن السيجارة ، وتنظر للخارج، ثم تطيل النظر الي عينيها ، ربما تريد أن تراهما الآن بالذات فأنت تشعر أنك ترها للمرة الأولي
***********
تزداد الغابة تكاثفاً ، تنغلق تماماًعليّ ، أنا وشجرة عملاقة ، أكبر الأشجار جذعاً ، وأوفرها أورقاً ، أنزلق داخلها فتغلق أبوابها الخشبية الثقيلة
بمزلاجٍ فولاذيّ ، أشعر بقوةٍ لانهائية ، تُشعرني بقوةٍ لانهائية ، أشم رائحة لحائها الداخلي واشعر بملمسه علي جلدي ، يلفظني ويستردني في لحظاتٍ غائبةٍ داخل التفاصيل
***********
جالسٌ أنت في المقهي ، أمامك فنجان القهوة ومنفضة السجائر ونظارتك التي خلعتها لتريح عينيك للحظات عندما ارتديت نظارتك مرة أخري وجدتها جالسةً علي منضدةٍ ليست بقريبةٍ منك ولكنها تنظر إليك بقوة ، فابتسمتَ ، نظرتها صارت راغبةً أكثر ، ورأيتها تتحسس بأناملها حافة فنجانك
***********
يهدر صوت شلالٍ بعيد ويزداد صوته اقتراباً وتزداد الدنيا بياضاً ، نوعٌ من أنواع الضباب يتسلل بهدوء
***********
تسقط كل الأوراق دفعةً واحدة ، في لمح البصر اختفت خشبية المشهد ليحتله الضباب احتلالاً كاملاً ومازال صوت الشلال الهادر من بعيدٍ يتأوه
***********
الآن فقط ضاقت حدقتا عينيك ثم اتسعت ثم ضاقت ، الآن تنتفضين ، أشعر بضربات قلبك تكاد تقفز من صدرك ، أشعر بجسدك كله ينبض، أشعر به يعلو يسمو يُشعل نارا ليرقص حولها رقصةً غجريةً تحت ضوء قمرٍ وثنيٍ فرحان
***********
يقترب صوت الشلال يصبح هديره أعنف وأصخب ، تجن الغابة صارت الريح تضرب كل شيء وتطير كل الأشياء لأعلي لا تصل للسماء الأولي بعد ولكن يصير السحاب والدخان الأبيض الكثيف هما سيدا المشهد الآن
***********
أنتِ الآن كوني الجامع ، شمولي الذي كان مشتتاً لإجزاءٍ صغيرةٍ تائهة ، أنتِ الآن حضوري المهيب ، وضوئي المستبد ، ونزقي ، وودق أعضائي البسيطة ، أنتِ الزمن
***********
كل هؤلاء الملائكة من أجلي؟ كل هذه الأوجه البيضاء والأجنحة الوردية الشفافة ؟
***********
تأخذ نفساً عميقاً من السيجارة ، ذهنك مهيأ تماماً لأن ينزلق خارجاً ، نفساً عميقاً أكثر ، تأملك المثير للدخان يعكس استرخاءك الجليل ، تنسحب بهدوءٍ حتي تذوب في الصمت والحركات الصغيرة ، احتضانٌ خفيف ، ويدٌ عشوائية تتهادي بثقة علي جسدٍ منهَك

الاثنين، أكتوبر ١٧، ٢٠٠٥

أورجازم

هل جربت أن تشعر أنك محاصر و أنه لا مهرب و أنك تتمنى أن تختفي من مكانك الحالي لتظهر في أي مكان آخر و السلام؟ هذا هو ما يحدث عندما تدخل هي المكان .. تشعر فجأة أن حركاتك أصبحت مفتعلة و أنت تداري ارتباكك الشديد بتلويحك بيديك أثناء الكلام أكثر من اللازم و في مواضع لا تستدعي التلويح باليد .. تشعل سيجارتك بأسلوب تعتقد أنت أنه أكثر احترافاً .. و تدرك فجأة أنها أعادتك في لحظة إلى المراهق الذي قد يفعل أي شيء ليجذب الانتباه إليه .. تفكر قليلاً.. تكتشف فجأة أن آخر ما تسعى إليه أنت هو جذب الانتباه .. إنك تحاول إذن أن تهرب من سطوة وجودها بمحاولتك إعطاء وجودك مساحة أكبر .. أنت لا تحب ان تشعر بهذا الحصار .. تقرر فجأة أنك لن تصمت هذه المرة .. قرار ! .. ستتجه من فورك إليها لتقل لها أي شيء .. فقط لتكسر حاجز الوهم بينكما و تقترب حدود جسدك من حدود جسدها أكثر قليلاً فتقترب من عيوبها بالتبعية .. ربما تبصر شعرة بيضاء في رأسها .. تكتشف أنها مصابة بحب الشباب مثلاً و أنك لم تلاحظ ذلك لأنك تراها من مسافة .. ربما تجد نبرة صوتها مزعجة .. المهم أنك تريد أن تقترب حتى تعيد إليها بعضاً من صفاتها الآدمية التي نزعتها أنت منها بدون وجه حق .. هي ليست شديدة الجمال .. و لكنها تمتلك هذه الهالة الرهيبة من التألق و الحيوية جعلاها جذابة جداً .. إنها سيجارتك الأخيرة قبل أن تتجه إليها .. يا الله .. يا من جعلني لماحاً إلى هذا الحد فألاحظ تلك التفاصيل الصغيرة التي أتعلق بها وطلب مني أن أتجاهلها .. يا من أعطاني هرمونات الذكورة و طلب مني أن أقاومها.. يا من جعلها بهذه الجاذبية و أمرني بغض البصر .. يا من وضع في صدري قلباً يضخ في عروقي تلك الدماء الحارة و جعلني أحبهن و أهيم بعالمهن عشقاً و طلب مني أن أتزوج واحدة لأعصم نفسي من الخطأ .. آسف .

قام من مكانه فجأة .. الأدرينالين يتدفق في دمائه بدون داع .. تتجه هي إلى خارج المقهى فينطلق وراءها كأنه مربوط إليها بحبل شفاف ..اقترب منها أكثر و استوقفها بصوته الذي حاول أن يجعله واثقاً : إزيك؟

الأحد، أكتوبر ٠٩، ٢٠٠٥

بجماليون



"بلقيس كانت اجمل الملكات في تاريخ بابل ، كانت اطول النخلات في أرض العراق ، كانت اذا تمشي ترافقها طواويسٌ وتتبعها أيائل"
بلقيس - نزار
معركةٌ بشرية قديمة بين الروح والجسد ، جدلٌ أقامه الناس منذ تاريخٍ طويل ، التناسق المدهش للقسمات المكوّنة للفتنة الجسدية واصطباغ الروح إما بألوانٍ باهتة لا حياة فيها وإما بألوان مبهرجةٍ لا ذوق فيها ، المعيار الصحيح الذي يجب أن يكون عليه الجمال الجسدي متناسباً مع البراءة الحسية ، حين صرخ بجماليون بأن هذه المرأة التي يراها الآن ليست هي التمثال الرائع الذي صنعه ليلائم ما يرضيه ، كان صادقاًلأن صناعة التمثال (الجسد) تتم بمعايير واضحة وإن كانت معاييراً نسبية ، شفاهٌ مكتنزة ، عينٌ صافية الزرقة ، شعرٌ منسدلٌ كالآف القصائد ، عنقٌ طويلٌ عاجيّ ، صدرٌ جميل .....بلا بلا بلا
لكن أن تبث فيها روحاً ، كيف تستطيع أن "تضبط مقاديرها" وأي مقادير تلك ؟ ، أن تكون ذكية ، أو خفيفة الظل ، مثقفة؟ ، كل هذه الأمور تكتسبها الملرأة في حياتها أو تفقدها (بمزاجها يعني أو بظروفها المحيطة) فصناعة الروح هي أصعب مراحل التكون الانساني "الأنثوي خاصةً" في رأيي
"حين رفعت يديها عن صدره ، ووقفت تنظر في عينيه بسحرها المعهود ، سألوه بعدها كم لبثت؟ ، تلعثم في اضطرابٍ ثم قال يوماً أو بعض يوم" ، هناك من يقول أن هناك تناسباً عكسياً بين الروح والجسد ، إذا سمت الروح تدني الجسد وإذا فَتَن الجسد ماتت الروح ، في رأيي أن المرأة هي الاستثناء من هذه القاعدة هي اللغز وهي المجهول
كان بجماليون غبياً حين حطم تمثاله ، كان غبياً لأنه حطم أعظم ما صنع ، حتي لو كان فاشلاً في صناعة روحاً فقد صنع جسداً في غاية الجمال وهو شيء عظيم الأهمية
" أنزلت من عينيها نهراً من خمر ، فأسكرته النشوة ، أقفلت أهدابها علي قصريها وأنعمت بالوصل ثغراً ، أطعمته من حلاوتها رطباً جنياً واحتوته بين ثنايا جلدها المندّي .. فأيقظته رجلا" ا
وعلي الرغم من غباء بجماليون إلا أني لا أقدر أن اتهمه بالجنون أو الجرم فقد فقه بجماليون لفناء الجسد ، ليس الفناء المادي الذي طرحه عبد الوهاب ، ولكن الفناء المعنوي بعد التعود ، فالبرغم من أهمية جسد الأنثي ككونٍ مستقل عن بقية الأكوان المعروفة فسوف يظل عقل الأنثي ومشاعرها وعطاءها الذي لا ينضب ، هو الكهف الأعظم الملئ بالمتاهات المغرية بالمغامرة ، حين تنفتح للرجل مدينة المرأة ويغوص بين مبانيها الشاهقة وسراديبها المغلقة وتبدأحفلة التيه في صحرائها وسهولها ، تتوزع أجزاؤه المهملة علي كل الشطوط وتلملمها هي بأناملها الرقيقة إلي جوهرٍ عميق
"دفعةٌ واحدة .... اشتعلت كل قناديلها ، غردت كل طيورها ، كل الغزلان علي ضفاف كرمتها تراقصت طربة ، تطايرت جدائل شعرها فَرِحة،ثم خبت فجأة ، وبقت رائحة التنهد واللهاث"
لم يكن قصدي أن أتكلم عن الروح والجسد بالشكل الفلسفي المعتاد
ولم يكن قصدي أن أتكلم عن أهمية الجسد مقارنةً بأهمية الروح
فقط أردت أن أتكلم عن الأنثي كلغزٍ لا ينحصر بين روح وجسد ، ولا ينحصر بين عدة كلمات ، أردت أن أخلق عالماً خاصاً عالماً بين بين
فالأنثي حين تبكي شيء وحين تضحك شيء حين تبتسم شيء ، اختلاف رهيب كل شيءٍ علي جدة له نكهته الخاصة وله ملامحه الخاصة هل أقدر أن أضع هذا في خانة الروح؟ "لا أعتقد" ، حين تضع الأنثي كفها الصغير علي المنضدة أو ترفع خصلة شعرها عن عينيها لتريحا خلف أذنها ، أو حين تلتفت فجأة ، أو تنقر بأصابعها علي أنغام أغنية ما ، كل هذه الأفعال الجسدية "القاتلة أحياناً" هل تندرج تحت كلمة جسد؟ لا أعتقد
أري أن المرأة كونٌ فريدٌ لكنه رائع كتمثال بجماليون

الأربعاء، أكتوبر ٠٥، ٢٠٠٥

آخر يومين

إذا أردت أن تغني عالياً .. غن عالياً

و إذا أردت أن تكون حراً .. كن حراً

فهناك مليوناً من الطرق لتكن

و أنت تعرف ذلك.

(كات ستيفنز)

واقفين إلي سور البحر كنا .. أحاول أن أوقف لها تاكسياً .. أتجنب النظر لها .. بينما هي لا تجد مانعاً في أن تختلس لي نظرة رمادية من آن لآخر .. ألمحها بطرف عيني و أتجاهل ذلك .. لا يوجد تاكسي لعين و أنا أكره لحظات النهاية الطويلة .. أكره النهايات بشكل عام طالما أنا لم أكتفي بعد .. و لكي تضفي على المشهد لمحة درامية لا بأس بها ، شرعت تغني أحد اغنياتي المفضلة .. (If you want to sing out ..Sing out) .. جاريتها لجملتين و لم أكمل .. فلقد توقف تاكسياً .. ركبت و هي دامعة .. سخيفة هي النهايات البطيئة عندما تدرك أنه ليس ثمة لقاء آخر .. و عندما تعلم أنك لم تقم بدورك كما ينبغي و تكتفي بتجميد ملامح وجهك على انفعال لا يعني أي شيء.

ينتهي حلمٌ ما قبل أن تعرف أنت أنه انتهى .. لا أدري ايهما أسوأ .. أن ترقب الأشياء و هي تذهب ، أم أن تذهب الأشياء بلا أدنى فرصة لتوديعها؟؟

------------------------

كيف امتلكت تلك القدرة الغريبة على أن تجعلك تشعر بكل تلك السكينة و الهدوء و الاكتفاء ـ ولو للحظة على الأقل ـ و متى كانت تلك اللحظة التي عندها كففت أنت عن الإصغاء لكلماتها و بدأت تعبث بكفيها باستغراق تام كأنك تراهما لأول مرة؟ .. أو هي أول مرة ترى بها كفي فتاة ، انفصلت عن واقعك تماماً .. كففت عن التدخين و الشرب فجأة .. و كفت هي عن الكلام كي لا تقاطع قدسية تلك اللحظة .. و لم يعد في عالمك الصغير سواك و كفيها .. كففت عن انتمائك لواقعك الخانق لتنتمي فجأة لكفيها فحسب .. تفعل بهما ما تشاء .. تعجبك راحتها فتميل عليها و تقبلها بعمق .. ترغب في تقبيل أناملها واحد تلو الآخر ، فتفعل بلا تردد .. لا تدري كم من الوقت انقضى و أنت في تلك البقعة السحرية .. لا تعلم متى التحمت أيديكما في تلك الرقصة الغجرية المحمومة .. و كيف احتملت خطوات تلك الرقصة كل هذه الرموز الأيروسية بلا ابتذال .. كل هذا و لم يغادر أحدكما مقعده ليقترب من الآخر أكثر.

عندما رفعت عينيك أخيرا ـ بعد أكثر من نصف ساعة ـ لتنظر إليها ، وجدتها تنظر لك بذهول من رأى الحقيقة كاملة و لم يفهم شيئاً ، دمعت عيناها .. ثم أخذت كفيك لتخبىء بهما وجهها المتورد ..... كان هذا هو اليوم قبل الأخير.

-------------------------

أراحت رأسها الأشقر على كتفي ، و احتضنت ذراعي الأيسر.. شعرتُ بالحرج من سائق التاكسي الذي لم يعترض .. شكرت له ذلك في سري .. لا أحد يستطيع أن يتخيل ما الذي استطاعت هي أن تعطيني بمنتهى البساطة و بلا تعقيدات و بلا طلبات في المقابل .. كم أتمنى لو أنني قابلت مصرية تستطيع أن تعطي بلا تعقيدات ولا عقد نفسية تظهر لاحقاً ، و بلا أن تظل طول حياتها متذكرة أنها أعطت .. أتمنى أن أجد من تعطي و تنسى .. تنسى فعلاً لا مجازاً .. الوحيدة التي وجدتها بتلك المواصفات غربية سترحل غداً .. هذه مشكلتي وحدي ، إنها تعطي دون أن تعرف أنها فعلت !! تلك هي عبقريتها .. أكثر ما أعجبني فيها أنها تعرف متى تصمت .. تلك موهبة ، أراحت رأسها الأشقر الجميل على كتفي .. لأشعر أنني امتلكت العالم .. و أنني أفقد كل شيء في نفس اللحظة .. أعرفها منذ أكثر من عام .. لا أتذكر كم مرة وجدتُ كلاماً أقوله و نحن معاً .. تجعلني أفضل الصمت .. و أرغب أن يتركني العالم و شأني لأتفرغ لها .. و في نفس الوقت لا أستطيع أن أدعي أنني أحبها بالمعنى الشائع للكلمة .. هي تعلم ذلك .. ولا مشكلة لديها...

نعم .. إنه سيكون صيفاً بارداً .. وحيداً ..

و لكنني أعدك بهذا ..

سأرسل لك كل حبي

في رسالة يومية

مختومة بقبلة

هكذا همست بكلمات الأغنية في أذني .. ثم أراحت رأسها من جديد على كتفي .. و مضى التاكسي في طريقه.